أم المؤمنين
سَوْدَة بنت زَمْعَة
" يوم القيامة في أزواجك ، فيكون لي من الثواب ما لهنّ سودة بنت زمعة |
هي سودة بنت زمعة
بن قيس القرشية العامرية ، ثاني زوجات
النبي صلى الله عليه وسلم ، كريمة النسب ، فأمها هي الشموس بنت قيس بن زيد
الأنصارية ، من بني عدي
بن النجار ، وأخوها هو مالك بن زمعة .
كانت رضي الله عنها سيدة ً جليلة نبيلة ، تزوجت بدايةً من السكران بن عمرو ، أخي سهيل بن عمرو العامري ، وهاجرت مع زوجها إلى
الحبشة فراراً بدينها ، ولها منه خمسة أولاد .
ولم يلبث أن شعر المهاجرون هناك بضرورة العودة إلى مكة ، فعادت هي
وزوجها معهم ، وبينما هي كذلك إذ رأت في المنام أن قمراً انقض عليها من
السماء وهي مضطجعة ، فأخبرت زوجها السكران فقال : والله لئن صدقت
رؤياك لم ألبث إلا يسيراً حتى أموت وتتزوجين من بعدي ، فاشتكى السكران من يومه ذلك وثقل عليه
المرض ، حتى أدركته المنيّة .
وبعد وفاة زوجها جاءت خولة بنت حكيم
بن الأوقص السلمية امرأة عثمان بن مظعون إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فقالت : يا رسول الله ، كأني أراك قد دخلتك خلة – أي الحزن - لفقد خديجة ؟ ، فقال : ( أجل ، كانت أم العيال ،
وربة البيت ) ، قالت : أفلا
أخطب عليك ؟ ، قال : ( بلى ؛ فإنكن
معشر النساء أرفق بذلك ) ، فلما حلّت سودة من عدّتها أرسل إليها
رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبها ، فقالت : أمري إليك يا رسول الله ، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مري رجلاً من
قومك يزوّجك ) ، فأمرت حاطب بن عمرو بن عبد شمس
بن عبد ود فزوّجها ،
وذلك في رمضان سنة عشر من البعثة النبوية ، وقيل في شوّال كما قرّره الإمام ابن
كثير في البداية والنهاية .
وهي أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خديجة ، ولم
يتزوج معها صلى الله عليه وسلم نحواً من ثلاث سنين أو أكثر ، حتى دخل بعائشة رضي الله عنها.
وحينما نطالع سيرتها العطرة ، نراها سيدةً جمعت من الشمائل أكرمها
، ومن الخصال أنبلها ، وقد ضمّت إلى ذلك لطافةً في المعشر ، ودعابةً في الروح ؛
مما جعلها تنجح في إذكاء السعادة والبهجة في قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن
قبيل ذلك ما أورده ابن سعد في الطبقات أنها صلّت خلف
النبي صلى الله عليه وسلم ذات مرّة في تهجّده ، فثقلت عليها الصلاة ، فلما أصبحت
قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " صليت خلفك البارحة ، فركعتَ بي حتى
أمسكت بأنفي ؛ مخافة أن يقطر الدم ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت
تضحكه الأحيان بالشيىء " .
وبمثل هذا الشعور كان زوجات النبي صلى الله عليه وسلم يعاملنها ،
ويتحيّنّ الفرصة للمزاح معها ومداعبتها ، حتى إن حفصة و عائشة أرادتا أن
توهمانها أن الدجال قد خرج ، فأصابها الذعر من ذلك ، وسارعت للاختباء في بيتٍ
كانوا يوقدون فيه ، وضحكت حفصة و عائشةمن تصرّفها ، ولما جاء
رسول الله ورآهما تضحكان قال لهما : ( ما شأنكما ) ، فأخبرتاه بما كان من
أمر سودة ، فذهب إليها ، وما إن
رأته حتى هتفت : يا رسول الله ، أخرج الدجال ؟ فقال : ( لا ، وكأنْ قد خرج ) ، فاطمأنّت وخرجت من
البيت ، وجعلت تنفض عنها بيض العنكبوت .
ومن مزاياها أنها كانت معطاءة تكثر من الصدقة ، حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعث إليها
بغِرارة – وعاء تُوضع فيه الأطعمة - من دراهم ، فقالت : ما هذه ؟ ، قالوا : دراهم
، قالت : في غرارة مثل التمر ؟ ففرقتها بين المساكين .
وهي التي وهبت يومها ل عائشة ، رعايةً لقلب
رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ففي صحيح البخاري : ( أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها ل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
ففي صحيح البخاري : ( أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها ل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( ما رأيت امرأة أحب إلي أن
أكون في مسلاخها -أي جلدها- من سودة بنت زمعة من امرأة فيها حدة) ، -ومعناه تَمنَّت أن
تكونَ في مثل هدْيها وطريقتها ، ولم ترد عائشة عيب سودة بذلك بل وصفتها بقوة النفس
وجودة القريحة وهي الحدة -قالت : ( فلما كبرت
جعلت يومها من رسول الله صلى الله عليه وسلم لي) ، قالت يا رسول الله: ( قد جعلت يومي منك لعائشة ) . فكان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقسم ل عائشة يومين يومها ويوم سودة .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
" خشِيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقالت : يارسول الله، لا تطلقني وأمسكني واجعل يومي لعائشة ، ففعل "،
ونزلت هذه الآية: { وإن امرأة خافت
من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير } (النساء:128) . قال ابن عباس : فما اصطلحا عليه من شيء
فهو جائز . رواه البيهقي في "سننه" .
ولما حجّت نساء النبي صلى الله عليه وسلم في عهد عمر لم تحجّ معهم ، وقالت :
قد حججت واعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنا أقعد في بيتي كما أمرني
الله ، وظلّت كذلك حتى توفيت في شوال سنة أربع وخمسين بالمدينة ، في خلافة معاوية بن أبي سفيان بعد أن أوصت
ببيتها لعائشة ، أسكنهنّ الله فسيح
جنّاته .
0 التعليقات:
إرسال تعليق