تابعونا على فيس بوك

قصص الأنبياء

قصص الأنبياء في القرآن الكريم هي قصص لصفوة الخلق وخيرتهم على الإطلاق فهم هداة العالمين ورحمة الله للناس أجمعين

قصص الصحابة

رجال ونساء عظام من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حملوا معه الأمانة و بذلوا كل غالي و نفيـس من أجل إعلاء كلمـة الحـق هل

يراث النبي صلى الله عليه وسلم

ميراث النبي صلى الله عليه وسلم . فيما اتفق عليه البخاري ومسلم من ثواب العمل الصالح . كي تتزود منها في الدنيا فتنفعك عند لقاء الله فى الأخرة .

أخلاقيون

تابعونا على صفحة فيس بوك أخلاقيون.. بأخلاقى انا غير

شجرة الأنبياء

شجرة الأنبياء ، صور شجرة الانبياء والرسل بالترتيب الزمنى وأعمارهم وأولادهم وقصصهم

الأحد، 10 مايو 2015

حديث: كافل اليتيم له أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة


حديث: كافل اليتيم له أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة

شرح سبعون حديثًا (12)




12- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كافل اليتيم له أو لغيره، أنا وهو كهاتين في الجنة))، وأشار مالكٌ بالسبَّابة والوسطى؛ رواه مسلم.

"كافل اليتيم": القائم بأموره من نفقة وكسوة، وتأديبٍ وتربية، وغير ذلك، وهذه الفضيلة تحصل لمن كفَله من مال نفسه، أو من مال اليتيم بولاية شرعية، وأما قوله: ((له أو لغيره))، فالذي له أن يكون قريبًا له كجده وأمِّه، وجدته وأخيه، وأخته وعمه، وخاله وعمته وخالته، وغيرهم من أقاربه، والذي لغيره أن يكون أجنبيًّا.


حديث: كان زكريا - عليه السلام - نجارا


حديث: كان زكريا - عليه السلام - نجارًا

شرح سبعون حديثًا (11)




11- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كان زكريا - عليه السلام - نجارًا))؛ رواه مسلم.

ثبت في صحيح البخاري أن داود - عليه السلام - كان يأكل من كسب يديه، وكان داود يصنع الدروع؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ ﴾ [الأنبياء: 80].

فكان حدَّادًا، أما زكريا، فكان نجَّارًا يعمل وينشر، ويأخذ الأُجرة على ذلك، وهذا يدل على أن العمل والمهنة ليست نقصًا؛ لأن الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - كانوا يمارسونها، ولا شك أن هذا خير من سؤال الناس؛ حتى إن الرسول - عليه الصلاة والسلام - قال: ((لأن يأخذ أحدكم حزمة من حطب على ظهره، فيبيعها - يعني: ويأخذ ما كسب منها - خيرٌ له من أن يسأل الناس؛ أعطوه أو منعوه))، أو كما قال - صلوات ربي وسلامه عليه.

ولا شك أن هذا هو الخلق النبيل، ألا يخضع الإنسان لأحد ولا يذل له، بل يأكل من كسب يده؛ من تجارته، أو صناعته، أو حرثه؛ قال - تعالى -: ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [المزمل: 20].

ولا يسأل الناس شيئًا، والله الموفق.


علم نفس قرآني


علم نفس قرآني

سيداتي وسادتي.. هل تعلمون ما معنى أن الله موجود؟

معناه أن العدل موجود و الرحمة موجودة و المغفرة موجودة.

معناه أن يطمئن القلب و ترتاح النفس و يسكن الفؤاد و يزول القلق فالحق لابد واصل لأصحابه.

معناه لن تذهب الدموع سدى و لن يمضي الصبر بلا ثمرة و لن يكون الخير بلا مقابل و لن يمر الشر بلا رادع و لن تفلت الجريمة بلا قصاص.

معناه أن الكرم هو الذي يحكم الوجود و ليس البخل..و ليس من طبع الكريم أن يسلب ما يعطيه.. فإذا كان الله منحنا الحياة، فهو لا يمكن أن يسلبها بالموت.. فلا يمكن أن يكون الموت سلبا للحياة.. و إنما هو انتقال بها إلى حياة أخرى بعد الموت ثم حياة أخرى بعد البعث ثم عروج في السماوات إلى ما لا نهاية.

معناه أنه لا عبث في الوجود و إنما حكمة في كل شيء.. و حكمة من وراء كل شيء.. و حكمة في خلق كل شيء.. في الألم حكمة و في المرض الحكمة و في العذاب حكمة و في المعاناة حكمة و في القبح حكمة و في الفشل حكمة و في العجز حكمة و في القدرة حكمة.

معناه ألا يكف الإعجاب و ألا تموت الدهشة و ألا يفتر الانبهار و ألا يتوقف الإجلال.

فنحن أمام لوحة متجددة لأعظم المبدعين.

معناه أن تسبح العين و تكبر الأذن و يحمد اللسان و يتيه الوجدان و يبهت الجنان.

معناه أن يتدفق القلب بالمشاعر و تحتفل الأحاسيس بكل لحظة و تزف الروح كل يوم جديد كأنه عرس جديد.

معناه ألا نعرف اليأس و لا نذوق القنوط.

معناه أن تذوب همومنا في كنف رحمة الرحيم و مغفرة الغفار..

ألا يقول لنا ربنا (( إن مع العسر يسرا)).. و أن الضيق يأتي و في طياته الفرج فأي بشرى أبعث للاطمئنان من هذه البشرى.

و لأن الله سبحانه واحد.. فلن يوجد في الوجود إله آخر ينقض وعده و لن ننقسم على أنفسنا و لن تتوزعنا الجهات و لن نتشتت بين ولاء لليمين و ولاء لليسار و تزلف للشرق و تزلف للغرب و توسل للأغنياء و ارتماء على أعتاب الأقوياء.. فكل القوة عنده و كل الغنى عنده و كل العلم عنده و كل ما نطمح إليه ين يديه.. و الهرب ليس منه بل إليه.. فهو الوطن و الحمى و الملجأ و المستند و الرصيد و الباب و الرحاب.

و ذلك الإحساس معناه السكن و الطمأنينة و راحة البال و التفاؤل و الهمة و الإقبال و النشاط و العمل بلا ملل و بلا فتور و بلا كسل و تلك ثمرة ((لا إله إلا الله)) في نفس قائلها الذي يشعر بها و يتمثلها، و يؤمن بها و يعيشها و تلك هي أخلاق المؤمن بلا إله إلا الله.

و تلك هي الصيدلية التي تداوي كل أمراض النفوس و تشفى كل علل العقول و تبرئ كل أدواء القلوب.

و تلك هي صيحة التحرير التي تحطم أغلال الأيدي و الأرجل و الأعناق و هي أيضا مفتاح الطاقة المكنوزة في داخلنا و كلمة السر التي تحرك الجبال و تشق البحور و تغير ما لا يتغير.

و لم يخلق إلى الآن العقار السحري الذي يحدث ذرة واحدة من هذا الأثر في النفس.

و كل عقاقير الأعصاب تداوي شيئا و تفسد معه ألف شيء آخر.. و هي تداوي بالوهم و تريح الإنسان بأن تطفئ مصابيح عقله و تنومه و تخدره و تلقى به إلى قاع البحر موثوقا بحجر مغمى عليه شبه جثة.

أما كلمة لا إله إلا الله فإنها تطلق الإنسان من عقاله و تحرره من جميع العبوديات الباطلة و تبشره بالمغفرة و تنجيه من الخوف و تحفظه من الوسواس و تؤيده بالملأ الأعلى و تجعله أطول من السماء هامة و أرسخ من الأرض ثباتا.. فمن استودع همه و غمه عند الله بات على ثقة و نام ملء جفنيه.

ولأن الله هو خالق الكون و مقدر الأقدار و محرك المصائر.. فليس في الإمكان أبدع مما كان.. لأنه المبدع بلا شبيه.. لا يفوقه في صنعته أحد.. فلن تعود الدنيا مسرحا دمويا للشرور و إنما درسا رفيعا من دروس الحكمة.

و لأن الله موجود فإنك لست وحدك.. و إنما تحف بك العناية حيث سرت و تحرسك المشيئة حيث حللت.

و ذلك معناه شعور مستمر بالإئتناس و الصحبة و الأمان.. لا هجر.. و لا غدر.. و لا ضياع.. و لا وحدة.. و لا وحشة و لا اكتئاب. و ذلك حال أهل لا إله إلا الله.

يذوقون شميم الجنة في الدنيا قبل أن يدخلوها في الآخرة و هم الملوك بلا عروش و بلا صولجان.. و هم الراسخون المطمئنون الثابتون لا تزلزهم الزلازل و لا تحركهم النوازل.

تلك هي الصيدلية الإلهية لكل من داهمه القلق.. فيها علاجه الوحيد.. و فيها الإكسير و الترياق و ماء الحياة الذي لا يظمأ بعده شاربه.. و فيها الرصيد الذهبي و المستند لكل ما نتبادل على الأرض من عملات ورقية زائلة متبدلة.. و فيها البوصلة و المؤشر و الدليل.

و فيها الدواء لكل داء.


التركيبة النفسية الإيمانية


و المؤمنون أهل حلم و صبر و تواضع و تسامح و حياء.

((يمشون على الأرض هونا و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما)) (63 الفرقان)

تعرفهم بطول الصمت و تواصل الفكر و خفض الصوت و البعد عن الهرج و الصخب و التلاعن.

و تعرفهم بالتأني و الاتقان و الإحسان فيما يعهد إليهم من أعمال، و تعرفهم بالدماثة و لين الطبع و الصدق و الوفاء و الاعتدال في الأخذ من كل شيء.

و إذا كان لابد من اختيار صفة واحدة جامعة لطابع المؤمن لقلت هي:

السكينة، فالسكينة هي الصفة المفردة التي تدل على ان الانسان استطاع أن يسود مملكته الداخلية و يحكمها و يسوسها.

و هي الصفة المفردة التي تدل على انسجام عناصر النفس و التوافق بين متناقضاتها و انقيادها في خضوع و سلاسة لصاحبها و هي أمر لا يوهب إلا لمؤمن.

و أنت تقرأ هذه السكينة في هدوء صفحة الوجه.. ليس هدوء السطح بل هدوء العمق.. هدوء الباطن.. و ليس هدوء الخواء و لا سكون البلادة، و إنما هدوء التركيز و الصفاء و اجتماع الهمة و وضوح الرؤية.. و كأنما الذي تراه أمامك يضم البحر بين جنبيه.

و البحر ساكن و لكنه جياش يطرح الآلئ و الأصداف و المراجين من أعماقه لحظة بعد لحظة، فهو غني الغنى اللانهائي.

و هذه خاصية المؤمن.. ذلك الهدوء المشع الثري.. لماذا..؟!

لأن علاقة المؤمن بماحوله علاقة متميزة مختلفة.. علاقته بالأمس و الغد و علاقته بالموت.. و علاقته بالناس.. و علاقته بعمله و نظرته للأخلاق.

فالأخلاق بالمعنى المادي الواقعي هي أن تشبع رغباتك بما لا يتعارض مع حق الآخرين في إشباع رغباتهم هم أيضا، فهي مفهوم مادي اجتماعي بالدرجة الأولى و هدفها حسن توزيع اللذات.

أما الأخلاق بالمعنى الديني – فهي بالعكس – أن تقمع رغباتك و تخضع نفسك و تخالف هواك و تحكم شهواتك لتتحقق برتبتك و منزلتك العظيمة كخليفة عن الله و وارث للكون المسخر من أجلك.. فأنت لا تستحق هذه الخلافة و السيادة على العالم، إلا إذا استطعت أولا أن تسود نفسك و تحكم مملكتك الداخلية.. و مفهوم الأخلاق هنا فردي، و هدفه بلوغ الفرد درجة كماله و إن كانت هناك ثمرة اجتماعية يجنيها ذلك الفرد فإنها تأتي بالتبعية.

فالمجتمع الذي يتألف من مثل هؤلاء الأفراد لابد أن يسوده الوئام و السلام و المحبة.

و الأخلاق بهذا المعنى هي خروج من عبودية النفس إلى مرتبة عليا.. خروج من الرغبة في شيء مادي إلى الرغبة في حضرة الإله.. خروج من الجزء إلى الكل.. من النسبي إلى المطلق حيث يجب أن تطلع كل العيون.. و هذا لا يمكن أن يتم إلا إذا تم تصحيح و تكميل بصر العين.. فأصبحت ترى كل شيء بحقيقة حجمه و نسبته لا تحجبها لذة دنيوية عن رؤية الكمالات الإلهية.


و لهذا تبدأ الأخلاق الدينية بمجاهدة الشهوات حتى تحكمها و تخضعها و لا تبدأ بالتسليم لها و بإشباعها كما هو شائع، فهي ليست دعوة إلى حسن توزيع اللذات و إنما هي دعوة إلى الخروج من أسر الملذات، و هكذا تختلف النظرتان تماما و تؤدي كل منهما إلى انسان مختلف.

فالانسان المادي يستهدف النزوة و اللذة الفورية و المقابل المادي العاجل (( لأنه لا يعتقد في وجود شيء وراء الحياة الدنيوية ))، و هو لهذا يجري وراء(( اللحظة )) و يلهث وراء (( الآن ))، و لكن اللحظة متفلتة و ((الآن)) هارب و الفوت و الحسرة تلاحقانه في أعقاب كل خطوة يخطوها و هو متروك دائما و في حلقه غصة و في لبه حسرة و كلما أشبع شهوته ازدادت جوعا. و هو يراهن كل يوم بلا ضمان و بلا رصيد فهو محكوم عليه بالموت لا يعرف متى و كيف و أين، فهو يعيش في قلق و توتر مشتت القلب متوزع الهمة بين الرغبات لا يعرف للسكينة طعما حتى يدهمه الموت رغم أنفه.


أما الانسان المؤمن فهو تركيب نفسي مختلف و أخلاقية مختلفة، فهو يرى اللذات الدنيوية زائلة، و أنها لا تساوي شيئا، و أنها مجرد امتحان إلى منازل و درجات وراءها، و أن الدنيا مجرد عبور إلى تلك المنازل و الدرجات الباقية.. و أن الدنيا كالخيال و أن الله هو الضمان الوحيد في رحلة النيا و الآخرة.. و أنه لا حاكم و لا مقدر سواه.. و لو اجتمع الناس على أن يضروك لما استطاعوا أن يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك، و إن اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لما استطاعوا أن ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك.

و لهذا فإن المؤمن لا يفرح لكسب و لا ييأس على خسران، و إذا دهمه ما يكره قال في نفسه: ((و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لكم و عسى أن تحبوا شيئا و هو شر لكم و الله يعلم و أنتم لاتعلمون))

و الله عنده حكيم عادل رحيم لا يقضي بالشر إلا بسبب و لحكمة أو لفائدة و استحقاق عادل.

و هو لا يحسد أحدا و لا يغبط أحدا، بل هو مشفق على الناس مما هم فيه من غفلة، يقول له قلبه:

(( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد.. متاع قليل ثم مأواهم جهنم و بئس المهاد)) (196- 197 آل عمران)

(( أيحسبون أنما نمدهم به من مال و بنين.. نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون)) (55-56 المؤمنون)

(( إنما نملي لهم ليزدادوا إثما)) (187- آل عمران)

(( ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير.. لكيلا تأسوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم و الله لا يحب كل مختال فخور)) (22-23 الحديد)

(( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا))

و ثمرة تلك الآيات عند المؤمن هي السكينة و الهدوء النفسي و اطمئنان البال و الثقة في حكمة الله و عدله و رحمته و تصريفه.

و مثل هذا المؤمن كلما ترك شهوة من شهواته، وجد عوضا لها حلاوة في قلبه، مما يلقى من التحرر الداخلي من أغلال نفسه و مما يجد من النور في بصيرته.

و هو يترك السعي إلى الحظوظ للسعي إلى الحقوق و يترك الدعاوى إلى الأوامر.

و يترك أهواء النفس إلى وجه الحق.

و يكف عن التلهف و الحركة وراء الأغراض و المناصب و الرياسات و المغانم و يسكن إلى جنب الله.. و هل بعد الله مغنم؟!!

و من صفات هذا المؤمن العامل لوجه الله أنه ناهض بالهمة على الدوام لا يفتر و لا يكسل و لا يتواكل، بينما يفتر من يعمل للأجرو يفتر من يعمل للخوف ((يخدع الأول نفسه بالاستكفاء و يخدع الثاني نفسه بالتمني)) أما القاصد وجه ربه فإنه لا يفتر لأنه لم يربط جهاده بأجر و هو لا يكسل متواكلا على مغفرة لأنه لا يتحرك بالخوف من عقاب و إنما هو عبد محب متطوع، العمل عنده سعادة، لهذا لا تجده متبرما و لا متسخطا و إنما هو دائما طلق الوجه مشرق البسمة متفائل، حماد لربه في جميع الحالات لا يسب الدهر و لا ينسب لربه نقصا و لا قصورا.

و هذه التركيبة النفسية النادرة هي ثمرة الايمان بالقرآن و هي ثمرة التوحيد.. و التوحيد يجمع عناصر النفس و يوحد اتجاه المشاعر نحو مصدر واحد للتلقي فيؤدي بذلك إلى أثر تركيبي بنائي في الشخصية بعكس تعدد الآلهة و تعدد مصادر الخوف و النفع و الضرر فإنه يؤدي إلى توزع المشاعر و انقسام النفس و تشتت الانتباه إلى العديد من الجهات، و يؤدي بذلك إلى تفكيك رباط الشخصية.

و القارئ للقرآن الكريم يخرج بعلم نفس قرآني متميز بديع و منفرد في تربيته للمسلم.

و ليس عجيبا أن القرآن أقام حضارة و صنع تاريخا.. فإنه قبل ذلك أقام إنسانا و ربى نفسا بديعة سوية متفردة في تكاملها و أشرق عليها بسكينة لا مثيل لها.

و مثل تلك التربية الفذة تشهد للقرآن بأنه خرج من المشكاة الإلهية.. فلا مرب مثل الرب.

و لهذا يختلف علم النفس و علم النفس القرآني في علاج الأمراض النفسية. فعلم النفس لا يرى إمكانا لتبديل النفس أو تغييرها جوهريا لأن النفس تأخذ شكلها النهائي في السنوات الخمس الأولى من الطفولة.. و لا يبقى للطبيب النفسي دور سوى إخراج المكبوت فيها إلى الوعي.. أو فتح نوافذ للتنفيس و التعبير و تخفيف الغليان الداخلي.. و بهدف الوصول إلى ذلك يلجأ الطبيب النفسي إلى العلاج بالتنويم المغناطيسي أو العلاج بالإيحاء أو بالتنفيس و التعبير و الفن و اللعب أو العلاج بالاستغراق في عمل آلي أو العلاج بالإشباع المباشر.

و كل هذه الصور أشبه بعلاج السرطان بالمراهم أو المسكنات لأنها لا تحاول أن تغير من النفس شيئا، فكلها تقبل وجود الدمل النفسي على حاله ثم تقول للمريض.. اصرخ أو تأوه أو ارقص أو غني لتنفس عن آلامك.. أو تضع يده على الدمل و تقول له.. هنا الدمل.. و هذا كل جهدهم.

أما الدين فيقول بإمكانية تبديل النفس و تغييرها جوهريا و يقول بإمكانية إخراجها من ظلمة البهيمية إلى أنوار الحضرة الإلهية و من حضيض الشهوات إلى ذروة الكمالات الخلقية و ذلك بالرياضة و المجاهدة.

و يكون ذلك على مراحل.. أولها: تخلية النفس من عاداتها المذمومة و ذلك بالاعتراف بالذنوب و العيوب و إخراج هذه العيوب إلى النور كما قال موسى لربه بعد قتل المصري خطأ:

(( رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له)) (16- القصص)

و كما نادى يونس في الظلمات:

(( لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)) (87- الأنبياء)

و المرحلة الثانية: هي التوبة و قطع الصلة بالماضي و الندم على ما فات و مراقبة النفس فيما يستجد من أمور و محاسبتها على الفعل و الخاطر.

و المرحلة الثالثة: هي مجاهدة الميول النفسية المريضة بأضدادها. و ذلك برياضة النفس الشحيحة على الإنفاق و إكراه النفس الشهوانية على التعفف، و دفع النفس الأنانية إلى البذل و التضحية و الإيثار، و حث النفس المختالة المزهوة على التواضع و الانكسار، و استنهاض النفس الكسولة إلى العمل.. و بمعالجة الضد بالضد تصل النفس إلى الوسط العدل.. و هو صراط الحكمة.. و هو حظ الصالحين من البشر.

و لا تنجح تلك الرياضة دون طلب المدد و العون من الله و دون الصلاة و الخشوع و الخضوع و الفناء في محبة الله ركوعا و سجودا في توحيد كامل(و توحيد الله لا يكون إلا بطاعته الكاملة و الاسترسال معه.. لا تريد لنفسك إلا ما يطلبه هو لك) و هنا تحدث المعجزة.. فيتبدل القلق سكينة و الفزع طمأنينة و الخسة الشهوانية عفة و طهارة.. و النواقص النفسية كمالات.

و ذروة العلاج النفسي هي(( الذكر)) ذكر الله بالقلب و اللسان و الجوارح و السلوك و العمل.. و استشعار الحضرة الإلهية على الدوام و طوال الوقت في كل قول و فعل.

و في الذكر شفاء و وقاية و أمن و طمأنينة لأن الذكر يعيد الصلة المقطوعة بين العبد و الرب و يربط النفس بمنبعها و يرد الصنعة إلى صانعها.. حيث هو الأعلم بعيوبها و الأقدر على علاجها.

(( ادعوني استجب لكم)) (60- غافر)

(( فاذكروني أذكركم)) (152- البقرة)

فيعود النور ليغمر ظلام النفس و يحل العمار مكان الخراب.

و بينما يرى فرويد (الطيبة) تخاذلا و سلبية و ينصح مريضه قائلا له: (( كل و إلا فأنت مأكول)).

نرى نحن الطيبة قوة إيجابية.. و نأمر بالصفح:

(( فاعفوا و اصفحوا)) (109- البقرة)

(( فاصفح الصفح الجميل)) (85- الحجر)

(( و أن تعفوا أقرب للتقوى)) (237- البقرة)

و بينما يرى فرويد من الأعمال مايساعد على تفريغ و تنفيس الغليان النفسي.. نشترط نحن العمل الصالح.

و بينما يرى أن ماضي الطفولة حاكم على كل إنسان و موجه لأفعاله لا نقول نحن بحاكم إلا الله.. و نقول إننا بفضل الله يمكن أن نخرج من أي حكم، و بينما يقول بفطرة عدوانية و بغريزة التحطيم و الهدم و بالطاقة الشهوانية كدوافع رئيسية، نقول نحن: إن الإنسان فُطر حرا مختارا بين النوازع السالبة و الموجبة يختار ما يشاء منذ البداية.

و سبب كل هذه المادية الفرويدية و مادية علم النفس بوجه عام هو أنهم يتعاملون مع النفس الإنسانية على أنها مادة وجسد يمكن اقتحامه بالتشريح و التجربة.. و هم يفعلون هذا عن إيمان بأنه لا روح هناك و لا ذات و لا نفس.. و إنما مجموعة مركبات كيميائية و جينات وراثية اسمها الإنسان و تلك هي خطيئة الحضارة المادية، فهذا التصور أبعد ما يكون عن الصواب لأن النفس الإنسانية (( ذات )) قبل كل شيء و لا يمكن إحالتها إلى موضوع مجرد.. و هي كالحياة إذا أعملت فيها مبضع التشريح ماتت في يدك.. و النفس دائما تستخفي على النظرة التحليلية و تتنكر بما تطرح في الظاهر من ردود أفعال سلوكية و هي لا تعطي سرها أبدا حتى لصاحبها إذا بدأ يتدبرها كموضوع، لأنها ليست موضوعا بل هي في جوهرها (( ذات )) بكر إذا فضضت بكارتها و هتكت استسرارها و حاولت أن تقتحمها بالنظرة الموضوعية استعصت عليك و تفلتت منك بمجموعة من البدائل السلوكية الخادعة و تحولت إلى شيء آخر.. و لم تعد (( هي )).

و يظل دائما الفارق بين ما ترى منها في الظاهر و ما خفى عليك من حقيقتها، كالفارق الهائل بين الجسد الظاهر و الروح التي تسكنه.. و أنت لن تصل أبدا إلى كنه الروح بتشريح الجسد.. و إنما أنت على أحسن الفروض سوف تفهم الجسد أكثر فأكثر و لكنك تظل دائما بعيدا كل البعد عن إدراك سر الروح و لغزها.

(( و يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا )) (85- الإسراء)

مقال للدكتور : مصطفى محمود 
رحمة الله علية  

الخميس، 7 مايو 2015

حديث: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر


حديث: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر

شرح سبعون حديثًا (10)


10- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر))؛ رواه مسلم.

الدنيا مهما عظُم نعيمها وطابت أيامها، وزَهَت مساكنها، فإنها للمؤمن بمنزلة السجن؛ لأن المؤمن يتطلَّع إلى نعيمٍ أفضلَ وأكمل وأعلى.

وأما بالنسبة للكافر، فإنها جنته؛ لأنه يُنعَّم فيها وينسى الآخرة.

والكافر إذا مات، لم يجد أمامه إلا النار والعياذ بالله، فكانت له النار؛ ولهذا كانت الدنيا على ما فيها من الكَدر والهموم والغموم، كانت بالنسبة للكافر جنة؛ لأنه ينتقل منها إلى عذاب، إلى عذاب النار والعياذ بالله، ويُذكر عن بعض العلماء أنه كان يمر بالسوق على العربة في موكب، فاستوقفه ذات يوم رجل من اليهود، وقال له: إن نبيَّكم يقول: ((الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر))، وكيف ذلك وأنت في هذا الترف والاحتفاء؟!

وهو يعني نفسه اليهودي في غاية ما يكون من الفقر والذل، فكيف ذلك؟
فقال له: أنا وإن كنت كما ترى من الاحتفاء والخدم، فهو بالنسبة لي بما يحصل للمؤمن من نعيم الجنة، كالسجن، وأنت بما أنت فيه من هذا الفقر والذل، بالنسبة لما يلقاه الكافر في النار، بمنزلة الجنة!


حديث: رُب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبره



حديث: رُبَّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرَّه

شرح سبعون حديثًا (9)



9- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((رُبَّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرَّه))؛ رواه مسلم.

شرح الحديث:
أشعث من صفات الشعر، وشعره أشعث؛ يعني: ليس له ما يدهن به الشعر، ولا ما يُرجله، وليس يهتم بمظهره، وأغبر؛ يعني: أغبر اللون، أغبر الثياب، وذلك لشدة فقره.

مدفوع بالأبواب؛ يعني: ليس له جاه، إذا جاء إلى الناس يَستأذن، لا يأذنون له، بل يدفعونه بالباب؛ لأنه ليس له قيمة عند الناس، لكن له قيمة عند رب العالمين؛ لو أقسم على الله لأبرَّه، لو قال: والله لا يكون كذا، لم يكن، والله ليكونن كذا، لكان، لو أقسم على الله لأبرَّه؛ لكرمه عند الله - عز وجل - ومنزلته.

فبأي شيء يحصل هذا؟
فربما يكون رجل أشعث أغبر مدفوعًا بالأبواب، لو أقسم على الله ما أبرَّه!
ورُبَّ أشعث أغبر مدفوع بالأبواب، لو أقسم على الله لأبرَّه!

فما هو الميزان؟
الميزان: تقوى الله - عز وجل - كما قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13].

فمن كان أتقى لله، فهو أكرم عند الله؛ يُيسر الله له الأمر، يجيب دعاءه، ويكشف ضره، ويبر قسمه، وهذا الذي أقسم على الله، لن يقسم بظلم لأحد، ولن يجترئ على الله في ملكه، ولكنه يقسم على الله فيما يرضي الله؛ ثقةً بالله - عز وجل - أو في أمور مباحة ثقةً بالله - عز وجل.

فيبر الله بقسمه؛ لأنه يقسم على الله في شيء يرضاه الله - عز وجل - إحسانًا في ظنه بالله - عز وجل.

أما من يقسم على الله تألِّيًا على الله، واستكبارًا على عباد الله، وإعجابًا بنفسه - فهذا لا يبر الله قسمه؛ لأنه ظالم.

ومن ذلك قصة الرجل العابد الذي كان يمر برجل مسرف على نفسه، فقال:
والله لا يغفر الله لفلان، أقسم أن الله لا يغفر له، لماذا يقسم؟ هل المغفرة بيده؟ هل الرحمة بيده؟ فقال الله - جل وعلا -: "من ذا الذي يتألَّى عليَّ ألا أغفر لفلان؟!" - استفهام وإنكار - فإني قد غفرت له وأحبَطت عملك"، نتيجة سيئة والعياذ بالله، لم يبرَّ الله قسمه، بل أحبط عمله؛ لأنه قال ذلك إعجابًا بعمله وإعجابًا بنفسه، واستكبارًا على عباد الله - عز وجل.

حديث: لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة


حديث: لا يستر عبدٌ عبدًا في الدنيا إلا سَتره الله يوم القيامة

شرح سبعون حديثًا (8)



8- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يستر عبدٌ عبدًا في الدنيا إلا سَتره الله يوم القيامة))؛ رواه مسلم.

شرح الحديث:
الستر يعني: الإخفاء، كما أن الستر ليس محمودًا على كل حال، وليس مذمومًا على كل حال؛ فهو نوعان:
النوع الأول: ستر محمود، ويكون في حق الإنسان المستقيم الذي لم يعهد منه فاحشة، ولم يحدث منه عدوان إلا نادرًا، فهذا ينبغي أن يُستر ويُنصح، ويُبيَّن له أنه على خطأ، وهذا الستر محمود.

النوع الثاني: ستر شخص متهاون في الأمور معتدٍ على عباد الله، شِرير، فهذا لا يُستر، بل المشروع أن يُبين أمره لولاة الأمر؛ حتى يردعوه عما هو عليه، وحتى يكون نكالاً لغيره.

 فالستر يتبع المصالح، فإذا كانت المصلحة في الستر، فهو أولى.
وإن كانت المصلحة في الكشف، فهو أولى، وإن تردد الإنسان بين هذا وهذا، فالستر أولى، والله الموفق.


حديث: لتوذن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة



حديث: لَتُؤَدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجَلحاء من الشاة القَرناء

شرح سبعون حديثًا (7)


7- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لَتُؤَدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقاد للشاة الجَلحاء من الشاة القَرناء))؛ رواه مسلم.

شرح الحديث:
في هذا الحديث أقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق بغير قسم، أقسم أن الحقوق ستُؤدى إلى أهلها يوم القيامة، ولا يضيع لأحد حق.

الحق الذي لك إن لم تَستوفه في الدنيا، استوفيته في الآخرة ولا بد، حتى إنه يقتص للشاة الجلحاء من الشاة القرناء!

الجلحاء: التي ليس لها قرن، والقرناء: التي لها قرن.

والغالب أن التي لها قرن إذا ناطحت الجلحاء التي ليس لها قرن، تؤذيها أكثر، فإذا كان يوم القيامة، قضى الله بين هاتين الشاتين، واقتص للشاة الجلحاء، هذا وهي بهائم لا يَعقلن ولا يَفهمنَ، لكن الله - عز وجل - حَكَمٌ عدلٌ، أراد أن يُري عباده كمال عدله حتى في البهائم العجم، فكيف ببني آدمَ؟!

وفي هذا الحديث دليل على أن البهائم تُحشر يوم القيامة، وتُحشر الدواب، وكل ما فيه روح يُحشر يوم القيامة؛ قال الله - تعالى -: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ ﴾ [الأنعام: 38].

أمم كثيرة: أمة الطيور، أمة السباع، أمة الحيَّات، وهكذا؛ ﴿ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 38].

وكل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ؛ ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾ [الأنعام: 38].

يحشر يوم القيامة كل شيء يقضي الله - تعالى - بينهم بعدله وهو السميع العليم.

في يوم القيامة يُقتص للمظلوم من الظالم، ويُؤخذ من حسنات الظالم، إلا إذا نفِدت حسناته، فيؤخذ من سيئات المظلوم، فتُطرح عليه؛ قال النبي - عليه الصلاة والسلام -:
((أتدرون من المفلس)) - أي: الذي ليس عنده شيء - قالوا: المفلس مَن لا درهم عنده ولا متاع، قال: ((المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، فيأتي وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وأخذ مال هذا، وسفك دمَ هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن بقي من حسناته شيء، وإلاَّ، أُخذ من سيئاتهم، فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار)).

لا بدَّ أن يقتص للمظلوم من الظالم، ولكن إذا أخذ المظلوم حقه في الدنيا، فدعا على الظالم بقدر مظلمته واستجاب الله دعاءه فيه، فقد اقتص لنفسه قبل أن يموت؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لمعاذ - رضي الله عنه -: ((واتقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)).

فإذا دعا المظلوم على ظالمه في الدنيا واستُجيب لدعائه، فقد اقتصَّ منه في الدنيا، أما إذا سكت فلم يدعُ عليه ولم يعفُ عنه، فإنه يقتص له منه يوم القيامة، والله المستعان.


حديث: يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير


حديث: يدخل الجنة أقوام أفئدتُهم مثل أفئدة الطير

شرح سبعون حديثًا (6)


6- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يدخل الجنة أقوام أفئدتُهم مثل أفئدة الطير))؛ رواه مسلم.

يقول النووي - رحمه الله - في شرح صحيح مسلم: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((يدخل الجنة أقوام أفئدتهم مثل أفئدة الطير))، قيل: مثلها في رِقتها وضَعفها؛ كالحديث الآخر: ((أهل اليمن أرقُّ قلوبًا وأضعف أفئدة))، وقيل: في الخوف والهيبة، والطير أكثر الحيوان خوفًا وفزَعًا؛ كما قال الله - تعالى -: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28].

وكأن المراد: قوم غلب عليهم الخوف؛ كما جاء عن جماعات من السلف في شدة خوفهم، وقيل: المراد المتوكلون، والله أعلم.

قال بعضهم:
وهم في توكُّلهم على الله مثل الطير التي هي أعظم المخلوقات توكلاً على الله، تجده يخرج في الصحراء لا يدري هل يَلقى حَبًّا أو لا، فيلقى حبًّا، ويملأ الله بطنه طعامًا بدون حيلة، والنووي - رحمه الله - يشير إلى حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أتاكم أهل اليمن، أضعف قلوبًا وأرقُّ أفئدة، الفقه يمانٍ والحكمة يمانية))؛ صحيح البخاري.

ويقول النووي معلقًا على هذا الحديث:
المعنى: أنها ذات خشية واستكانة، سريعة الاستجابة والتأثر بقوارع التذكير، سالمة من الشدة والقسوة والغلظة.

والشاهد من ذلك: بيان أن هناك علاقة بين الرقة والإيمان والحكمة والفقه، ولهذه الرقة النابعة من الإيمان سمات كثيرة، وهي تشمل كل المؤمنين - رجالاً ونساءً، وشبابًا وأطفالاً - وهي: سرعة التأثر وسَرعان ما تذرف العين.
 سرعة الاستجابة للحق.
 سرعة الاتعاظ والتذكير، وكُره الظلم بشدة.
 التفاعل مع مَن حوله، والاهتمام بمشاعرهم فرحًا وحزنًا.
 التفكير في الآخرين، فإذا عجز عن مدِّ يد العون، فلا أقل من أن يحمل همَّهم في قلبه وعقله.

وهذه الصفات العامة التي يتَّسم بها أصحاب القلوب الرقيقة - والتي هي كأفئدة الطير - لها ضوابط، ومن أبرزها:
 لِين من غير ضَعف، وقوة من غير عنف؛ أي: هيبة أو حزم من غير شدة، ثقة بالنفس من غير غرور أو تكبُّر.
 أن يحب ويبغض ويعطي ويمنع لله.
 ردود أفعاله ينبغي أن تكون متزنة دون إفراط أو تفريطٍ، وَفقًا للضوابط الشرعية، كذلك من أعظم المعاني في هذا الحديث أن صفة التوكل من أعظم ما نتعلَّمه من الطير؛ فالطير تحقق التوكل الكامل والصادق، فلا أسباب لها تعتمد عليها إلا السعي، والله أعلم.